المقالات

أضواء على مقترح قانون مشروع الجزيرة 2021-(2)

الحلقة الثانية
(1)
مثلما كانت هناك تطورات حادثة على مستوى العالم تتعلق بتهديد حق ملكية الأرض، وإستجابت لها الأمم المتحدة بإعلانها لحماية حقوق الشعوب في أرضها، ومن ثمّ إشارتنا إلى ضرورة إستيعاب قانون مشروع الجزيرة لتلك الحقيقة أيضاً، فإنه وعلى المستوى الوطني جرت كذلك، وفي خلال العقود المنصرمة، تحولات إجتماعية عميقة أظهرت الشأو الذي بلغته مساهمة المرأة والشباب في إنجاز تلك التحولات، خاصةً في عملية التغيير الثوري الذي تفجرت على إثره ثورة ديسمبر 2018. هذا الواقع الجديد الذي افرزته الثورة يفرض علينا أن نأخذه في الاعتبار حين صياغة القانون المقترح لمشروع الجزيرة. وبمعنى أدق أن تكون المرأة وأن يكون الشباب موجودون في قلب نصوص القانون الجديد. فبالإضافة لدورها إننا نجد أن للمرأة وزنها، كماً ونوعاً، وسط المزارعين. فمن بين المزارعين الذين يبلغ عددهم حوالي 130 ألف مزارع نجد ان عدد المزارعات يبلغ حوالي 17500 مزارعة، أي ما نسبته 13%. وبالرغم من هذه الحقائق نجد أن لا وجود للمرأة بتاتاً في قيادة المشروع، لا في مجلس إدارته ولا في مستوياته التنفيذية العليا المختلفة. وقد حدث ولأول مرة في تاريخ المشروع الذي بلغ عمره مائة عام ونيف ان تكون هناك امرأة عضواً في مجلس إدارته، أي في المجلس الحالي، وتلك كانت واحدة من ثمرات الثورة بالرغم من ضآلة التمثيل. وقد كانت امرأة واحدة من جملة 17 عضو، أي بتمثيلٍ نسبته 6% فقط!. قارن ذلك بنسبة النساء المزارعات في المشروع، وهي 13%. عليه لابد من العمل على أن يكون هناك تمثيل حقيقي للمرأة في المؤسسات المرتبطة بالمشروع، ومن بينها أكبر وأعرق مؤسستين، هما إتحاد المزارعين ومجلس إدارة المشروع، وأن يكون التمثيل فيهما وفقاً لما جاء في الوثيقة الدستورية بخصوص مشاركة النساء في مؤسسات دولة ما بعد الثورة.
(2)
لقد أصبح ومن الضروري أن يتم تغيير تلك العقلية الذكورية، التي ظلت تهيمن على المشروع، وهي عقلية تمتد جذورها، فيما هو متعلق بالمشروع، إلى عهد الإستعمار. إن التغيير المطلوب هو لابد وأن يتم النص في مقترح القانون على تمثيل المرأة في تنظيمات المشروع وفي مؤسساته. ففي فعل ذلك تكون قد تمت الإستجابة لمقتضيات التحول الاقتصادي والإجتماعي والسياسي العميق الذي شهده ويشهده تاريخ السودان المعاصر. وفي هذا المقام أود أن أشير إلى أن لجنة أصحاب الملك الحر في مدينة ود مدني كانت سبَاقة دون الآخرين في أن أوصتْ في مقترحها حول القانون بأن يتم تمثيل المرأة بعضوين في مجلس الإدارة. فهذا يعني أن هناك قوى حية وأصيلة في المشروع تولي إنتباهاً وإهتماماً مستحقين لهذا الأمر المهم. والذي هو الآخر، لو تم التقيد بتنفيذه، سيمثل ملمحاً بارزاً ومتقدماً في مسيرة تطور القانون الخاص بمشروع الجزيرة.
(3)
إن مفهوم “المسئولية المجتمعية” المعاصر والسائد الآن اصبح ومما لاشك فية يمثل ركناً أساس في ثقافة المؤسسات الاقتصادية. صار بما يشبه الإلتزام الأخلاقي بالنسبة للمؤسسات فيما يتعلق بوجوب مساهمتها في تقديم وتطوير الخدمات للناس في المجتمعات التي تعمل وتنشط وسطها، وتمارس في محيطها أعمالها التجارية. يكاد أن يكون مشروع الجزيرة هو اول مؤسسة إقتصادية في تاريخ السودان قامت بتطبيق مفهوم “المسئولية الاجتماعية”، وقد تمت ممارستها تحت مسمى “الخدمات الاجتماعية”، والتي بدأ تقديمها اول ما بدأ في عام 1960، أي قبل أكثر من ستة عقود. وكان ما هو مرصود لها يمثل 2% من صافي عائدات المشروع، وإعترافاً بضرورتها ودورها مع مرور الزمن، إرتفعت نسبتها إلى 3% في عام 1970. وقد كان كل ذلك مضمناً في نصوص قانون مشروع الجزيرة.
كان مال الخدمات الاجتماعية يوظف في إنشاء وتطوير المرافق التعليمية والرياضية والثقافية والصحية وفي مشاريع توفير المياه الصالحة للشرب وغيرها من الخدمات لكافة مجتمع الجزيرة. إختفى بند الخدمات الاجتماعية بعد تقنين الهجمة الشرسة ضد مشروع الجزيرة التي صاحبت تطبيق قانون 2005 الجائر. إن مقترح القانون الحالي خلا من ذكر أي بند للمسئولية المجتمعية، أي غفل بند الخدمات الاجتماعية، وكما هو متعارف عليه في أدب مشروع الجزيرة. فما ورد في المادة 39/4 من المقترح الحالي لا يقترب من الموضوع، وهو غارقٌ في التعميم، “يستخدم فائض الميزانية في تطوير وتنمية المشروع”، هذا بالطبع إذا إعتبرنا ان عبارة “تنمية المشروع” قد تشمل الاهتمام بالجانب الإجتماعي بالإضافة إلى تنمية الجوانب المادية الأخرى. إنه، من المهم هنا الإشارة إلى أن مجلس إدارة المشروع قد نص في سياساته العامة او في “برنامج ثورة ديسمبر للتغيير في مشروع الجزيرة” على تبنيه او إرجاعه لبند “الخدمات الاجتماعية” في مشروع الجزيرة. عليه يصبح من المهم أن يدرج ذلك البند الأساس في صلب القانون الجديد.
إن المسئولية الاجتماعية لمشروع الجزيرة كمؤسسة إقتصادية لابد وان تمتد لتساهم في حل قضية أخرى مهمة، وهي قضية البطالة المرتفعة في منطقة الجزيرة. ولتحقيق هذا الهدف النبيل يصبح من المهم أن يتم النص على نسبة محددة لإستيعاب الشباب من الخريجين والخريجات في سلك الخدمة بالمشروع.
(4)
هناك ملاحظات إضافية أخرى مهمة حول مقترح القانون، منها مثلاً في بند “إختصاصات وسلطات المجلس” لم يتم تضمين مسئولية المجلس عن ضمان وحماية المشروع والحفاظ على وحدته وإصدار اللوائح الكفيلة بتحقيق ذلك. كما وأن تحديد فئات إيجار الأرض لم يتم تثبيتها كأحد مسئوليات ومهام المجلس، بالرغم مما لقضية الايجار من تأثير بالغ في إستقرار المشروع، وبل من الممكن القول بأن مستقبل المشروع رهينٌ بها.
ومن القضايا المهمة أيضاً والتي لم يعالجها مقترح القانون هي قضية الري. معلومٌ تاريخياً أن هذه القضية هي إحدى مجالات الصراع بين إدارة مشروع الجزيرة ووزارة الري. كان من المفترض ان يكون هناك وضوح بشأنها بدل تلك الصياغة المرتبكة الواردة في المقترح. هذه القضية يجب أن تحل على قاعدة الإلتزام بالتخصص، بمعنى أن ما للري للري وما للزراعة للزراعة، على أن يكون هناك تنسيق إداري وبدون التداخل المضر لكل واحد في مجال تخصص الآخر. هذه المسألة تمت معالجتها بشكل موضوعي قابل للاخذ والرد في السياسات العامة، حيث تم الإقتراح بان توضع فنياً كامل شبكة الري (الكبرى والصغرى) تحت مسئولية وزارة الري لوحدها، بالإضافة إلى إدارتها للشبكة الكبرى، وعلى أن تقوم إدارة المشروع بتولي إدارة الشبكة الصغرى فقط مع إشراف وزارة الري فنياً عليها. فذلك بالقطع إذا ما حدث وبهذا الترتيب سيجعل من التنسيق أمراً ضرورياً.
(5)
خاتمـــــــــــــــــــــــــــــــــة:
أن مقترح قانون مشروع الجزيرة 2021 المطروح الآن فوق حقيقة أنه يحتاج للمناقشة والتداول الواسع ومشاركة الناس في تناوله، فإن نصوصه قد تكون في حوجة أكثر للمراجعة. غفلت نصوصه قضايا عديدة منها ما هو مستجد، ومنها ما هو غير ذلك. إن جهاتٍ عدة دفعت بإضافاتٍ ثرة، وأخرى ما زالت تفعل. وتلك جهات في الأصل لم تتواصل معها لجنة صياغة القانون. عليه إن كل تلك الحقائق تؤكد على انه لابد من إعادة النظر في مقترح القانون الذي تم تسليمه وفي عجالة معيبة للسيد وزير الزراعة. إنه، ليس مشروع الجزيرة لوحده، وإنما البلاد نفسها تمر بظروفٍ تاريخية إستثنائية، نحتاج فيها جميعاً التأني والتدقيق والتجويد إذا ما كنا بالفعل نروم إصلاحاً مؤسسياً حقيقياً كما هو الحال بالنسبة لمشروع الجزيرة. أرجو ان تسعى كل الجهات المعنية بأمر القانون إلى مشاركة الناس ودعوتهم للمساهمة في تطوير وتجويد القانون، وخاصة اهل المصلحة. فهذا هو السبيل الوحيد لإنجاز قانون ديمقراطي وعادل.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى