المقالات

ثقافة لايف

أصبحت معظم مواقع التواصل الإجتماعي منصات لطرح العديد من المشاكل الإجتماعية وذلك لخلق حالة من الإستفتاء لإيجاد الحلول الجذرية لها ، هذا بالإضافة إلى أنها أصبحت منصات لتسويق السلع والخدمات مما وفرّ على أصحابها الكثير من النفقات التي كانت تذهب في الإيجار والتأثيث ورواتب بعض العمالة ..الخ .
كذلك درج العديد من رواد مواقع التواصل الإجتماعي على التفاعل الجادّ مع المشاكل المطروحة والسعي الحثيث وراء الحل بأساليب كثيرة تنم عن الإهتمام بالمصلحة العامة ، إلا أن هناك بعض الآثار السالبة بهذا الخصوص ومنها عدم المصداقية في نقل المعلومة والسعى وراء الإثارة وتزييف الحقائق أو طرح مواضيع هامشية لا تخدم القارئ مثلاً .
من خلال متابعتي في الآونة الأخيرة للرسائل المتداولة ببرنامج واتساب أو واتس أب (WhatsApp) كنت قد شاهدتُ مثلاً مقطع فيديو يتضمن تصوير للحالة المذرية لتجمع الأوساخ بمنتصف الطريق الذي يربط بين (صينية السوق المركزي) وحي الأزهري بالخرطوم ، لقد تناول ناشر الفيديو مصحوباً بالتعليق (المفارقة) في إرتفاع أسعار الأراضي بحي الأزهري مع (غياب) المزايا والمواصفات التي تقابل هذا الثمن الباهظ لقطعة الأرض .
رأيتُ أيضاً فيديو مماثل يحكي عن تكدس القمامة بطريق الشنقيطي بأم درمان ، وآخر يتحدث عما وصل إليه الحال بمستشفى مدني التعليمي من تجمع المياه وبعض المخلفات و…. و …الخ .
لاشك أن النشر يساعد على التعريف بأصل المشكلة ، ولكن مع كثرة رواد التواصل الإجتماعي الذين يهتمون بطرح المشاكل وفي بعض الأحيان السخط على الجهات المختصة والكيل لها نتيجة القصور في أداء الواجب ، تصبح هناك مشكلة حقيقية تتمثل في إختزال دور المتفاعل في (الإعلان عن وجود مشكلة) فقط ، مما حوّل الكثيرين من رواد هذه المواقع دورهم إلى (هواة يتفنون في الظهور على البث المباشر) فقط ، وبذلك نتحول آلياً (دون أن ندري) إلى دور المبلغ ، دون أن نقدم شيئاً أو خطوة نحو الحل الجذري للمشكلة.
بكل تأكيد إن تصوير فيديو بهذا الحجم ، يحتاج إلى خدمة إنترنت كافية ، وأن هذه الخدمة في بلدنا ليست مجانية ،بل ربما يضطر المشترك للتخلي عن حاجياته الضرورية والجوهرية في مقابل إشباع هذه الهواية (أن يكون حضوراً في منصات التواصل الإجتماعي) ما أودّ قوله أن مبادرة الإنسان للتعريف والإعلان عن مشكلة ما يعد فضيلة، ولكن الأفضل منها أن يوفر ما أنفقه في شراء وحدات الإنترنت (قيقابايت) لتحميل الفيديو وتخصيصه لحل المشكلة ، وذلك بوضعه في صندوق معين لدعم الحل ، هذا بالإضافة إلى العدد المهول من وحدات الإنترنت التي يستهلكها المتابعون أو كل من شاهد هذا المقطع ، لك عزيزي/ عزيزتي أن تتخيلوا كمية المال الذي بُذل للإعلان عن المشكلة فقط ، والذي صب في القناة الخاطئة وهي أرباح طائلة لشركات الإتصال دون وجود أي حل للمشكلة نفسها.
أيضاً بالنسبة للمتفاعل الذي إستنكر وجود القمامة ، فإستنكاره جميل إلا أنه لا يتعدى مرحلة (التغيير بالقلب) ، لأن الأجمل هو المبادرة إلى الفعل الإيجابي (الدعوى بالفعل) وهي من أبلغ أنواع الدعوة ولها تأثير أعمق في النفس ، فمثلاً لو عمد هذا المتفاعل إلى حمل بعض الأكياس المتناثرة هنا وهناك في الموقع المذكور ووضعها بالمكان المخصص لحفظ القمامة لأستحى منه المارون ولشاركوا معه في عملية النظافة وبذلك يكون قد وضع قدمه على أولى خطوات الحل الجذري ، بدلاً من لعن الجهات المختصة والـتأسف على الحال.
ثقافة الشعوب تعكس إهتماماتها ، ونحن كشعب عريق نجح في إستقطاب وإحتلال وجدان معظم الشعوب التي خالطها ، ولكن هذا النجاح لا يعكس مدى حرصنا على حماية ما إكتسبناه من خبرات في التعامل مع الآخر ، مع البيئة ، مع المرافق العامة والدور الخدمية ، مع الوطن ككيان له قدسيته في التعامل معه والمحافظة عليه .
كُن أنت المبادر، لا تنتظرك غيرك ، ربما غيرك لا يسعفه ظرفه في الحصول على شرف المبادرة بالفعل ، نظافة الخرطوم كما وصفها شاعرنا الفذّ الدكتور كامل عبد الماجد ، وما كانت عليه في سابق عهدها ليست بالأمر المستحيل ولكن أهم خطوة الآن تتمثل في ضرورة إعادة صياغة ضمير المواطن من جديد كي لا يتوقف عند الشجب والإستنكار لمظاهر السلوك السالب بل تأهيله للتصدى بكل إيجابية لإتخاذ الفعل الجادّ الذي يمكّنه من تغيير سلوك الآخرين وتوجيهه نحو الهدف الصحيح .

فاصل:
كانت الخرطوم جميلة وليلا يلصف بالكهارب..
المتاجر الضخمة تفتح لما فجر اليوم يقارب ..
الشجر ظالي الشوارع .. النجايل .. النوافير .. المقاهي .. والملاعب ..
المحطة الوسطى كانت ملتقى الناس الحبايب ..
ناس تناقش .. وناس بتضحك .. وناس تقالد ..وناس تطايب ..
جاطت الدنيا الجميلة وأصبحت ساحة مآرب ..
ناس بدون مجهود تحصل فوق وتصفالا المشارب ..
وناس تقول ما في البطولة فجأة نجمها يمشي غارب ..

فاصل أخير:
عندما تقرأ من بين الأخبار الأكثر تداولاً عبر وسائطنا المحلية .. (العازف طاسو ينجح في نزع فتيل الأزمة بين الدولية والجبلية) أو (وصول عدد متابعي الجبلية إلى مليونين) .. في بلدٍ لا زالت بالعناية المكثفة نتيجة العلل والأسقام التي أصابتها بالمرحلة السابقة .. تدرك تماماً أننا بحاجة ماسة وعاجلة إلى جرعات توعوية لإعادة ترتيب قائمة إهتماماتنا و أولوياتنا الحياتية . ويؤكد إنصرافنا التام عن الإهتمام بالقضايا المصيرية التي تغض مضجع المواطن والوطن في آن واحد .

زر الذهاب إلى الأعلى