الأخبار

شركات الخدمات المتكاملة: معول تدمير مشروع الجزيرة في قبضة لجنة إزالة التمكين

كيف نشأت شركات الخدمات المتكاملة؟
عُرفت الهندسة الزراعية بمشروع الجزيرة تاريخياً بإسم قسم المحاريت، الى ان تم تغييره في الثمانيات للهندسة الزراعية عد أن أضيف إليه قسم التطوير الهندسي، والذيكانت اهم واجباته ما يلي:
وضع المواصفات الفنية لعمليات تجهيز الارض الزراعية لمختلف المحاصيل.
متابعة عمليات الحصاد خاصة محصول القمح .
المساهمة في تطوير الميكنة الزراعية .
القيام بأعمال الحرث العميق للتربة الذي بموجبه تتجدد الارض كل اربعة سنوات مرة على الاقل، وذلك بهدف القضاء على الحشائش المعمرة والشجيرات والآفات الضارة، بالإضافة الى حفر وصيانة قنوات إنسياب المياه الصغيرة (ابو عشرينات).
وبالفعل ظلت الهندسة الزراعية بمشروع الجزيرة تمتلك حتى منتصف التسعينات مجموعة من الآليات الزراعية الرئيسية ( مثل 87 جراراً مجنزراً (D7)، اكثر من 40 حاصدة، 264 جرار صغير (80 حصان)، 39 جرار كبير (190 حصان)، 55 هرو دسك (40 صاجة ). إلا انه، وبعد عمليات الخصخصة المنظمة، تم بيع كافة هذه الآليات بالدلالة كحديد خردة، وبالتالي تم التخلص من اصول قسم الهندسة الزراعية بمشروع الجزيرة.
فاقم تبني الحكومة الحالية لسياسات التحرير الاقتصادي وتوجهها للخصخصة من مشاكل مشروع الجزيرة التي بدأت في التراكم. وكانت إجازة قانون مشروع الجزيرة لسنة 2005 – المعدل في 2014- والمستند على توصيات البنك الدولي في تقريره بخصوص المشروع، هي الشاهد الأكبر على هذا التوجه . حيث تم تكوين اللجان الفنية لخصخصة وبيع أصول مشروع الجزيرة تلبية لتوصيات البنك الدولي. وشملت إجراءات البيع الأصول الثابتة والمتحركة التي يملكها المزارعون والحكومة، ومن ضمنها الهندسة الزراعية وتصفية مؤسسة الحفريات.
في العام 2011، قامت إدارة المشروع بطرح عطاءات لإنشاء شركات (خاصة) للخدمات الزراعية المتكاملة لسد الفراغ الذي أحدثه اغلاق وبيع مؤسسات مشروع الجزيرة، وذلك بعد توفير تمويل ميسر لها من البنك الزراعي لاستيراد الآليات والمعدات. وبالفعل تم تسجيل (6) شركات في الموسم الصيفي، إرتفعت الى (21) شركة في الموسم الشتوي للعام 2011.
جاء تسجيل وقيام هذه الشركات على خلفية عمليات خصخصة وبيع أصول المشروع، والتي صاحبها فساد واسع، اوضحه السرية في البيع والتي تاكد لاحقاً انها تمت لمنفعة قيادات الحزب الحاكم السياسية والعسكرية، وقيادات اتحاد المزارعين الذي يساند سياسات الحكومة الزراعية ويناصب العداء للمزارعين في عدم تعبيره عن مصالحهم.
حالياً بلغ عدد الشركات التي تم تسجيلها تحت عنوان الخدمات الزراعية المتكاملة، وريث قسم الهندسة الزراعية بالمشروع، بلغت (23) شركة، تمتلك قيادات اتحاد المزارعين الحالية (18) شركة منها، بينما توزعت ملكية بقية الشركات على مناصري الحزب الحاكم وذويهم من القيادات السابقة للمزارعين. وبحسب افادات تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل فان رأسمال هذه الشركات يبلغ (23) مليون دولار، حصلت عليه عبر التمويل من البنك الزراعي، ومن اموال النهضة الزراعية، وذلك على الرغم من انها شركات خاصة يمتلكها افراد.
وعند النظر للمهام ومجالات عمل شركات الخدمات المتكاملة بالمشروع، وفقاً لما حدده مجلس إدارة مشروع الجزيرة، نجدها قد إستحوذت تماماً على المهام السابقة التي كان يقوم بها قسم الهندسة الزراعية بالمشروع، حيث تشمل مجالات عمل هذه الشركات التالي:
تطهير وتأهيل وصيانة وادارة قنوات الري ومنشآتها .
تحضير وتسطيح الأرض .
توفير المدخلات .
ادارة اصول المشروع .
ادارة خدمات الانتاج الحيواني .
التمويل والتسويق .
اي خدمات انتاجية اخرى يحتاجها المنتجون .
قائمة الفساد والمحسوبية في شركات الخدمات المتكاملة :
مثلت عملية الخصخصة مدخلاً لفتح المجال واسعاً لتفشي الفساد والمحسوبية في عمل مشروع الجزيرة. حيث لم ترث وتستغل شركات الخدمات المتكاملة ما كان موجود في البنية التحتية للمشروع، وبصورة خاصة في قسم الهندسة الزراعية، بل صاحبت عملية إنشاء وتسجيل ومنح عطاءات هذه الشركات عمليات فساد ومحسوبية سياسية واسعة. وتوضح القائمة ادناه لملاك شركات الخدمات المتكاملة إستحواز مناصري الحزب الحاكم والموالين له من قيادات اتحاد المزارعين مدى إتساع الفساد والمحسوبية المصاحب لتسجيل ومنح التراخيص لهذه الشركات، وذلك من خلال الإضطلاع فقط على قائمة أسماء تلك الشركات.
شركة اللواء الاخضر التي يمتلكها الفاتح عابدون والتي تعمل بمنطقة غرب سنار.
شركة الشتاء والصيف التي يمتلكها جبارة محمد ابراهيم رئيس الاتحاد الفرعي ويشاركه احمد الطيب عضو مجلس ولاية الجزيرة التشريعي والتي تعمل بمنطقة الحاج عبد الله.
شركة يقسطون والتي يمتلكها برعي سعيد رئيس اتحاد عمال ولاية الجزيرة السابق والتي تعمل بمنطقة الحوش .
شركة الوراق التي يمتلكها يوسف عطية الله (المجرابي) والتي تعمل بمنطقة البساتنا .
شركة ابو سنينة التي يمتلكها المرحوم عبد الرحيم ابو سنينة القيادي السابق باتحاد مزراعي الجزيرة والمناقل بمنطقة ود البر .
شركة عمر الامين العوض عضو المكتب التنفيذي لاتحاد المزارعين وممثل الاتحاد في مجلس الادارة ، والتي تعمل في منطقة المسلمية .
شركة صراصر التي يمتلكها علي الصديق احمد البشير ابن عم رئيس الجمهورية ، والقيادي بالاتحاد الفرعي بمنطقة طابت .
اعمال احمد عمر صيدلي بمنطقة عبد الماجد .
شركة ريو التي يمتلكها الشيخ العبيد فضل المولى وتعمل بمنطقة الترابي .
شركة النصيح التي يمتلكها مساعد الصديق القيادي بالاتحاد الفرعي والتي تعمل بمنطقة المختار.
شركة سماح التي يمتلكها عبد الباقي علي الشهير ب(ابو سكين) وهو صهر صلاح المرضي امين مال اتحاد المزارعين ، وتعمل بمنطقة شلعي
شركة عظيم الخير التي يمتلكها الصادق عبد الباقي يوسف من قيادات اتحاد المزارعين ويشاركه عبد الباقي الريح رئيس مجلس ولاية الجزيرة التشريعي السابق ، وتعمل بمنطقة الشوال .
شركة سهام التي يمتلكها صلاح المرضي امين مال اتحاد المزارعين يشاركه فيها صهره عبد الباقي علي ، وتعمل في منطقة قبوجة .
شركة منسيكو التي يمتلكها بلال علي القيادي بالاتحاد الفرعي وتعمل في منطقة المنسي .
شركة ود النورة التي يمتلكها مضوي الشيخ القيادي بالاتحاد الفرعي وتعمل في منطقة التحاميد .
شركة الماطوري التي يمتلكها العجب فضل الله القيادي بالاتحاد الفرعي وتعمل بمنطقة الماطوري .
شركة السنيورة التي يمتلكها اصيل الدين الامين القيادي بالاتحاد الفرعي وتعمل بمنطقة القرشي .
شركة ريل كنانة للحلول المتكاملة التي تعمل بمنطقة كاب الجداد .
اعمال التجاني لصاحبها التجاني محمد احمد التي تعمل بمنطقة الهدى .
شركة الحفاير التي يمتلكها بدر الدين عثمان متعهد الترحيلات وصديق صلاح المرضي امين مال اتحاد المزارعين وصهره عبد الباقي علي.
شركة الجوف التي يمتلكها ابراهيم بدر وتعمل في منطقة التحاميد .
شركة قوم الرشيد التي يمتلكها مصطفى الشامي ود بدر والتي حصلت على استثناء خاص .
وهناك شركات أخرى باسماء ( زنقاحة – ماتريوت – آتية – البدري كوشيك – آي بي اتش – توشنا ) .
من مظاهر فساد شركات الخدمات المتكاملة:
يتم تمويل شركات الخدمات المتكاملة الخاصة من المال العام المخصص لبرنامج النهضة الزراعية بمبلغ (273) مليار جنيه. كما تقوم هذه الشركات بشراء آليات مستوردة بالسعر الرسمي للعملة الصعبة، وتتمتع بالإعفاءات الجمركية تحت غطاء المساهمة في تأهيل مشروع الجزيرة. سرعان ما تم نقل هذه الآليات خارج المهام التي جلبت من اجله واستخدمت في الاعمال التجاري الخاصة، مثلاً في مناطق تعدين الذهب.
عدم توفير شركات الخدمات المتكاملة للآليات المطلوبة منها للعمل في تأهيل قنوات الري بالمشروع، رغم توفرها للشركات. فقد كشفت ادارة الطوارئ بمشروع الجزيرة في العام الماضي، 2015، بان الآليات العاملة في في تأهيل قنوات الري يبلغ عددها (10) آليات فقط، وهو عدد لا يمكن ان يقوم بفك الاختناقات بقنوات الري التي يبلغ طولها ما يقارب (14000) كيلو متر .
من أكبر مظاهر فساد شركات الخدمات المتكاملة تدميرها لقنوات الري بالمشروع. وذلك بإنجازها لأعمال غير مطلوبة هندسياً بغرض الحصول على المزيد من الاموال و لعدم التأهيل الفنى للعاملين في هذه الشركات للقيام بمثل هذه الأعمال. ويتضح هذا عند النظر الى ما قامت به بعض الشركات عندما قامت بإزالة (49) ألف متر مكعب من الأطماء، في الوقت الذي كانت فيه كمية الاطماء المترسبة في القنوات في ذلك العام (10) ألف متر مكعب، وهندسيا كان يجب إزالة عدد (6) ألف متر مكعب فقط ويترك الباقي لينساب مع المياه لتخصيب الحواشات. هذا المثال يوضح الجرم فيما ما تقوم به هذه الشركات بإفقاد المشروع لأهم مميزاته المتمثلة في اعتماده على الري الانسيابي غير المكلف، وذلك بقيامها بالحفر أكثر من العمق المطلوب وبالتوسيع غير المدروس لقنوات الري، مدمرة بذلك لتأريخ الري والعمل الهندسي بالمشروع، ومتسببة في صعوبة إنسياب المياه، وزيادة معدلات الاطماء بالقنوات بصورة يصعب معالجتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى