وسط البلد

عام من السلام لم يطعم فيه أهل السودان من جوع ولم يأمنوا من خوف

لا شك أن أهل السودان قاطبة فجعوا في نتائج السلام بعد مرور عام من توقيع إتفاقية سلام جوبا الذي كان مأمولًا فيه بعد إسكات صوت البندقية أن ينعموا فيه بالسخاء والرخاء بالإضافة للأمن والأمان والإستقرار .
جاء السلام وجاء معه جيش جرار من الباحثين عن الشهرة والإستوزار ليكونوا عبئًا ثقيلا على خزينة الدولة ليحلوا هم محل كلفة ثمن طلقة البندقية التي كان أولى بها حليب الأطفال أو محاضن صحتهم ودفاتر دراستهم .
جاءت كلفة السلام أقسى من كلفة الحرب وفي كلا الكلفتين الموت حاضرا وما أقسى الموت حينما يكون عنوانه الجوع والمرض والفقر الهالك .
جاءت كلفة السلام على حساب ميزانية كان الأولى بها مشروع الجزيرة تاهيلاً وترميما حتى يخرج ما في جوفه من خير وفير يحتاج لقليل من الإنفاق حتى يحمل عن كاهل الحكومة سد نقص كل ميزانيات السنين السابقة .
بعد مرور عام من توقيع إتفاق السلام كان الواجب أن يقف الناس على كلفة السلام ومقارنتها بكلفة الحرب لما قبل سلام جوبا بعام حتى نعرف جميعا ماذا أضاف السلام للبلد خاصة اذا وضعنا في الإعتبار أن الحرب بمعناها الواسع قد إختفت تماما على كل الشريط الحدودي لمناطق التماس التي تسمى (طمعا) بالمناطق المهمشة ، إلّا من مناوشات هنا وهناك على شكل جرائم قطاع الطرق .
على الصعيد الشخصي أكاد أجزم أن ما رتبته إتفاقية السلام من خسائر وأضرار على البلاد والمناطق المهمشة عجزت عن ترتيبه الحرب بكل قسوتها ونيرانها
وغافل من يعتقد أن سلام جوبا أوقف الحرب .
للأسف سلام جوبا ما هو إلّا مُسكن كيماوي يحقن به مريض السرطان بعد أن استشرى المرض في جسمه وانتشر للدرجة التي وصل معها الأطباء الى قناعة استحالة علاج المريض إلّا من رحمة الله .
الآن خطر الحرب قد وصل حواف القصر الجمهوري ومجلس الوزراء والنار أصبحت على أعتاب ( محل الرئيس بنوم) في ظل وضع اشبه بدنو النار من زيت الإشتعال .
نار وبنزين الحريق الآن تشكله الكتلة الحاكمة من العسكر بكل سوءات تفكيرهم وقصر نظرهم إلّا من رؤية محدودة ، قطر دائرتها كيف يحموا أنفسهم من مأزق مآلات فض الإعتصام .
عام من السلام هزمه ترك الشرق بإعتصام ( جاهل) ضيق به على أمة السودان أكثر مما ضيقته عليهم حرب مناطق الهامش في ظل إستكانة تامة من كل الجيوش المحسوبة على الحركات المسلحة التي دخلت العاصمة بأعداد مهولة إستباحت ساحاتها ومنتزهاتها وأنديتها الأكاديمية وحتى الشقق لم تسلم من هوجها وهمجيتها ولكنها عجزت في أن تؤمن لمحمد المسكين معاشه وأمنه بل على العكس أصبحت هذه الجيوش هاجسًا مضافًا الى هواجسه وهمومه وضنك عيشه .
بعد مرور عام من السلام يجب أن يعرف المواطن كم عدد الوزراء والجيوش الجرارة والإلتزامات التي رتبها عليه هذا السلام ، وماذا جنى هو من السلام حتى يقف الجميع على عدالة الفرص فان تساوت كلفة الحرب مع كلفة السلام فما هو الفرق بينهما إذن، وفي كليهما الموت حاضر .
بل سيكون مؤسفاً جداً أن تكون كلفة السلام اشد وقعًا على المواطن السوداني الأسمر الجميل حيث أنها أذهبت سنابله وضيعت أمنه واجتاحته بسبب السلام جيوش من (الباشبزغ) اشبه باسراب الجراد التي لآنت معها قناة سنابلهم التي لم تقوى على عصيان طيوف جراد تبعات السلام .
يجب أن نزن كلفة السلام التي ابتلتنا بوزراء وقيادات أقل قامة عن المراكز التي تقلدوها ولا خيار لنا في عزلهم لأن المناصب حصلوا عليها بإستحقاق السلام ! أي سلام هذا الذي يلزم البلاد بان تتحمل الفشل رغم أنف الكفاءات الموجودة داخل وخارج المناطق المهمشة التي صدها من المناصب عدم حملها السلاح .
من بعد مرور عام من السلام نسأل بكل براءة ماذا جنينا من السلام وصوت الرصاص يعلو في كل مربعات جبرة ، وسعر ( الرغيفة) الواحدة صار خمسون جنيها بالتمام والكمال ، وحال البلد يغني عن السؤال ،،

زر الذهاب إلى الأعلى