فنجان جبنة

بيت أبوي الحسين

الزمان: طفولة خضراء

المكان: قرية وادعة في كنف الدندر الدفاق

التوقيت : عمر من المحبة والذكرى

تحتشد المشاعر وتهتاج كلما يممنا صوب الصعيد في مقابيل الأعياد

بيت أبوى حاج الحسين.. كان قبلة الحلة .. و كان بؤرة المحنّة ..  كنا نأتيه متوشحين بالأشواق وفاتحين القلوب لكل ما هو حنين .. وجميل

تدلف سيارتنا الهايلوكس ٨١ من البوابة التي مالت كرما  لتتسع وتسع كل الناس  

تُقابلنا رائحة الحنية الممزوجة بالنيمة الكبيرة ..التي تمد فروعها إستقبالاً..ويسبقها سلام أبوي الحاج المفعم بالحنية

أبوي الحاج رجلاً لا تخلو ملامحه الوسيمة من الصرامة ..وإن تفرجت عيناه حناناً ينساب رغم النظارة الطبية السميكة .. نحافة ممشوقة ..سمار لا يخالجة إلا قليل شيب غطي ما تبقي من شعر علي وجهه

أبوي الحاج

صبيب مو رش

 نجيض مو هش

 بطانة الخير

 بشوش وخدوم

 كريماً جود .. وجود أروش

خريف الدالي والمزموم

سريع النهمة مو مِنْكَشْ

يكفي الناس عموم وعموم

بيت أبوي الحاج

عندما تدخله فأنت آمن ..  آمن من جوع وآمن من خوف .. آمن من جوع المشاعر ..آمن من فراغ الروح..آمن من جفاف القلب

الصباحات التي تبدأ..بصواني شاي الصباح الداخلة .. الممتلئة بالمحبة قبل إمتلاءها باللقيمات وبراد الشاي .. تزينت بالفرح حين تغطت بالمناديل المطرزة .. القادمة من بيوت   الأعمام والعمات

هناك الكل إن لم يكن عماً.. كان جداً .. ومن لم تكن عمة فهي جدة .. حيث الكل يقول للعم والجد (أبوي فلان) … وصِدقا الكُل أباك .. نصفنا الخرطومي لم يحرمنا لذة الأبوة المترفة هذه..

حين أرى أبوي الحاج كفكف العراقي وربط الأكمام إلي فتحة الرقبة هذا يعني أن المغرب قد آن .. ووجب حلب البقر .. الذي يكفي البعيد والداني

الشاي المقنن المعمول علي الفحم وتارة بالقصب (ساق الذرة) له رائحة لن تغادر الذاكرة أبداً.. لا يهم كم تشرب .. المهم أن تكتفي .. وكنا نتجاوز العشرين حفيداً ونيف .. لكن كانت تسعنا نيمة أمي الحاجة  .. تلك النيمة التي لا يستطيع رجلان من إحتضان ساقها العريض .. أذكر جيداً أن تلك النيمة كانت المأوى والملاذ ..إنما المباني كان يسكنها الأثاث والملابس .. نزورها حين نريد شيئا ما

بيت أبوي الحاج .. فارقته الروح قبل عشرون عاماً .. بوفاتهما رحمهما الله.. وبعد إصرار الدنيا علي بعثرتنا في رحاب الارض .   لكنها لم تبعثر قلوبنا عنه

بيت أبوي الحاج

يظل قبلة للحنين

رمزا للمحبة

نصبا تاريخيا للجمال

اوبة للروح أنّا وهنت

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى