فنجان جبنة

أنا ومجهولي الأبوين ..مأساة

عملت بتلك المدرسة لأبناء الطبقة الراقية من وطني،ومن فضائل المدرسة إنها تعلم بعض أبناء دور رعاية فاقدي السند مجهولي الأبوين
تحدثت المعلمة في حصة لتعليم اللغة العربية…. التعبير عن الأم وفضائلها.. و..و.. وطلبت من التلاميذ كتابة موضوع التعبير الإنشائي بعنوان (الأم) ومن أنشط التلاميذ طفل عقد يديه أمام صدره حيرةً
سألته المعلمة: ليه ما بديت تكتب؟؟
خاطبها حائرا: كيف أكتب عن حاجة وأنا ما بعرفا!! وما حسيتها؟؟؟ أصلا انا ما عارف أمي منو ولا هي وين حتى؟؟؟ وليه سابتني؟؟؟؟ أوصف كيف؟؟؟. حديث نطق به طفل لا يتجاوز الحادي عشر من عمره، طلقات رصاص في آذان لا تعي ما يقال، تداركت المعلمة الأمر بإعفائه من الموضوع وكتابة تعبير بعنوانٍ آخر .
في عام آخر، كنت أُعلِم ذات الطفل وآخر من ذات الدار مادة العلوم، كان من أميز التلاميذ وأكفأهم وأصدقهم، كنت أتحاشى النظر لعيناه كأني أمه التي تركته، أو أحمل بعض منها، طفل بكامل ما يتمنى المرء من صفات في أبنائه،أدب وذوق وذكاء متقد،لا ذنب له سوا ذنب أبوين جهلا ما يرتكبان.
اثناء كتابتهم للملخص كنت أتامله يكبر يصير شابا فتيا وسيما ولابد له من شأن … حماه الله، وسيأتي يوم يحس فيه بضلعه الأيسر، ليصطدم بواقع مسمي (لقيط) ماذا عليه؟؟؟ مجتمع يرفضه، وشارع فاتحاً ذراعيه، فيغص بحلقي.
بفصل آخر طفل آخر يجهل أبويه. دخلت الصف لأداء حصتي ليفاجئني أحد التلاميذ بسماعه لفظ (…) كشتيمة مخجلة وارجو اعفائي لعجزي عن نطق اللفظ،وتتعالى أصوات التلاميذ: قال لي .. قال لي … قال لي… .نهيتهم عن الحديث وطفقت اسطر اللوحة السوداء، أُلملم أطرافي لأواجه الموقف، كيف تسنى له نطق هذا اللفظ الذي أخذت من سنوات عمري الكثير حتى فهمته صدفة !وكيف تسنى لأطفال لا يتجاوزوا العاشرة من العمر أن يفهموا أنها شتيمة رعناء؟؟؟ صدف هذا الذهول مرور مديرة المدرسة التى تجاوزت سن المعاش خبرة فأخبرتها بما حدث راجية التدخل للخطب الجلل، أخدته برفقتها، وأكملت حصتي بذهن شارد، وفي خاتمة الحصة تحدثت عن أننا نسمع الكثير ولكن لا يجب قول كل ما نسمع من الفاظ وكلام ..فتربيتنا السامية تمنع بعض القول المشين ..و…و…و..وفي خواتيم الحصة اتى أحد المعلمين من ذوى القوة ممن يخشاهم التلاميذ الصغار وأسجاه على طاولة وضربه بسوط بقسوة ليكون عظة لهم، هطلت أدمعي حينها بغزارة.

  • كيف نعاقب من لم يدرك الصواب والخطأ؟؟؟
  • كيف نعاقب من عاقبه الزمان مسبقا ؟؟؟
  • كيف نقوم غرسة تجاوزت سنين التقويم؟؟؟
  • كيف يعيش هؤلاء ومن يعلمهم كأب وأم؟؟؟إذ لا عوض عن الأم إلا هي وكذلك الاب
    أنحن جنينا أم هو …؟؟؟
    آلمتني دموع نزلت من عيناه
    وآلمني سوط نزل عليه كالموت
    لكنه أكثر رحمة من مجتمع سيخرج إليه بعد سنوات .
    بذات المدرسة بالصف الثاني لمن أعمارهم سبع زهرات او تجاوزت بقليل طفلان، أحدهما يجهل أبويه تشجارا فضرب إبن الذوات الآخر، فسالت دماء من جبهته، شئ طبيعي يحدث بمدارس الأساس، غير الطبيعي هو أن الذي سالت دماه لا يجد من ياتي صبيحة الغد حاملا مفتاح سيارة فارهة وباليسرى موبايل ثمنه يتجاوز ضعفي راتبي الشهري ليرفع سبابة ويدني إبهام آخر محتجاً على دمٍ سال. لايجد من يربت على ظهره مساء وهو يقاسي الام حمى لجرح قد يلتهب، استند الصغير على كنبة(طاولة جلوس) واستوي رافعا نظره إلى السماء سارحاً.
  • يا أيها السماء أين أم أخذتها متعة الجسد، لتؤلم جسد آخر حتى الموت؟؟؟
  • أين أب خانته رجولته ذات يوم تاركا نطفة في أحشاء تتفجر حياة؟؟؟
    -أي أم تحمل تسعة اشهرها وهنا على وهن بحلم جميل بغد طفل جميل -الاهو- حملته أمه متعةً وتسعة أشهرها كرهاً وضغينة؟؟؟ توجساً وخيفة، لفظته ذات ليل، تركته رهن القطط وكلاب الحواري، إن عافته تلك لا تعافه حشرات الارض، إلى حين يرسل الله نجدته إليه أو تأتي الرحمة له بموت عاجل بعد حياة رخيصة.
  • وأنا صغيرة … عندما درست الرجم عقاباً كنت أقول سراً ( الرجم حتى الموت؟؟؟) لهنيهات ؟؟؟ قاس هذا العقاب. الآن، وفقط الآن، أدركت أن الله ترحم بهم أيما رحمة، فلو وكّل إلىّ أمرهم لرجمتهم وأحييتهم ورجمتهم وأحييتهم، مقدار ما كتب الله عمراً لإبنهما المسكين .
    واقع كنت أتنفسه صباح كل يوم عمل أتفرس فيه وجوه أطأطئ رأسي خجلاً أمامها.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى