فنجان جبنة

فنجان جبنة

عدلتا من وضعية الثوب بالإتجاه المعاكس لما يرتدى عادة، وهن يبدين إبتسامة لجبين الشمس المائل للغروب، وتبادلتا بعض جمل بلهجة قبيلة من قبائل الجنوب.
الثوب ذو اللون الصارخ يُظهر جمال الإسمرار، الذي كساه الغروب سمة اللهب. الثوب يكشف ثلثا ما يغطي … ساقان نحيفتان لكنهما من النظافة والبريق.. عودا أبنوس مصقول. إنحتا لحمل (بقجة) أجهل مكوناتها. رفعت بصري ليصطدم بذاك السياج ذو السلك الشائك. زعموا أن أحد المستثمرين إشترى تلك البقعة لينشئ عليها حدائق أرستقراطية (*)
تباَ ….. أرستقراطية تجاور قاع المجتمع!!!!
كأن الضد يظهر حسنه الضد.
تجاهلت عمداً تلك الضغطة الخفيفة من الجالس يساري بعد أن تجاهلت إرتياح فخذه قبلا، البيوت خلف السور عبارة عن غرفة… إن جاز التعبير عنها… تحيط بها أسوار من شوالات الخيش، وإبتسامة القادمين من رهق كسب العيش المضني حول المدن النائمة في الترف …
تحركت الحافلة وبها تساؤلاتي
كيف يحيا الفرد في تلك الــــ(جحور) إن صح تعبيري !!!!
بغرفتي أحس بالضيق والإزدحام حال (مقيل ) شخص معي …فكيف بمن يتشاركون الغرفة الواحدة طوال العمر
أو إن شئت قل ما أرادوا من سنين الترافق بها
تلك الغرف البيوت تلي البقعة المسورة
خاصة المستثمر الذي أسمع عنه الخرافات والخزعبلات،،
ولأنني تجاهلته عمدا استمر في ترك يده تستريح على (صفحتي) …أو بخاصرتي ….حتى أكن أكثر تهذيبا ،لحسن حظه أنني لست بمزاج للشجار فقد صممت على شئ ان لم ينزل قبل محطتي، وعزمت على ألا أن يشعر بضيقي.
(عبور … مستشفى)
تعالى صوت كمساري الحافلة معلناً وصولنا مستشفى سوبا الجامعي، وفي غضون نزول الحافلة من الطريق أتتنى ضغطة الوداع، بل لعلها الشكر منه، ونزل مارا محازيا عدسة عيني ولكن لم ألتقط أشعته على عيني، فلم يشكل شيئا يستدعي رؤيته، فقد مارس علىّ بهيميته بلا خزي ومارست عليه مكر الأنثى.
عاودت الحافلة المسير وتعالت أصوات بعض الأغاني الهابطة كما يقولون من ام بي ثري من عربات كارو …أو كما كانوا يسمونها (تاكسي الغرام)
جميلة مكسوة بالسجاد والموكيت النظيف ومكتوب عليها طرائف الجمل تمنيت لو أخوض يوما تجربة التنقل بها…. أرحت عيناي برهة …فلم ترتاحا، تجولتا بداخلي ذات ترحال بالعمارات شارع (١٥) العريق الذي يبدأ بالرائحة التي تداعب الأُنوف والبطون العائدة جوعا إلى الديار،جدتنا التي تعاود الطبيب لحظة عبورنا تلك المنطقة دائما ما تغلق أنفها (بري يا يمى إن شاء الله في بطن العدو) وعندما نسألها لماذا؟ (أي زول ماش بي جاي نفيستو فيها) ربما كنت ممن لا تغريهم الرائحة تلك ،ليس (لكوني نباتية) ولكن لا أحب الأكل خارج البيت عادة. حين تتجول بال(١٥) لا ترى الغرف التي رأيت سابقا، وإنما تدير رأسك البيوت ذات الطراز القديم الراقي أو كما يقال السرايات تعجبني أكثر من الطراز العصري، أكثر ما يعلق بقلبي دعاش الحدائق المتسعة المنسقة والبلكونات الدائرية ولا أدري لماذا الدائرية بالذات .
الشارع ال(١٥) يبدأ بالمطاعم الراقية، وتسير بين المحلات التي الحذاء بها يوضع على أرقى الأماكن بينما يفترش الأرض الأكل في شارع ما. وينتهى ال(١٥) بنهاية دنيا آخرين. تأكل.. تتجول.. تتبضع وتمرق تتلو …(إن تذكرت) الفاتحة على من سبقوك بمقابر فاروق، ولا يهز هذا من البدن إلاّ القليل…
الرابط العجيب بين الـ(١٥) وقاع المدينة .. القشعريرة في بدني.
الفرامل الفجائية عادة ما تفزعني، فتحت عيناي قهراً لأرى جيش الركشات ذاك الغزو الفريد المريح،الجالب للخمول والكسل، صوت إنطلاق الأغاني المرتفعة تجعلني أعتقد أنه ربما أستعيض بركشة ما لحفلة عرس أو حنة عريس.
وحين يدير مقود الحافلة نحو الغرب ثم الجنوب في إنحناءة للخلف بحدة، تقابلني عمارة ساخرة من الموت القابع خلفها وسط المقابر ومن المضحك أنه كتب عليها (كافتريا …….) كيف يجلس الفرد يضرب البوش ضرباً مبرحا وهو يجاور قبر جار أو أخ أو صديق ، أشمأزت نفسي من سخف كافتريا بالمقابر، وكدت أن أفرغ ما بجوفي لولا أن كسى لون البرتقال عيناي، إنعكاس اللون من الفلل أو المجمع السكني ذو أفراد الأمن والسلامة الخالي تقريباً من الساكنين سمعت أن إبناً لأحد الأسر توفاه الله رفضت الأم دفنه بالمقابر المجاورة لها فكيف تفتح نافذة غرفتها على قبر إبنها الشاب الغض!!!! تضاد يبدي بعضه وضوح بعض.
أعدت لملمة بعضي، قليل ويصيح الكمساري بإسم المحطة التي أريد، أسمها يوحى بشئ من الصوفية وربما بعض الإسفاف ولك أن تأخذ المعنى الذي تريد منهما، عادة ما ينظر للذي ينزل بتلك المحطة نظرة إرستقراطية ولست أدري لذلك سببا، نظرات تلاحقني حال ما أكن هناك، بالطبع ليس لجمالي دخل ولا لنحافتي دور يذكر، أحنى هامتي حتى يتسنى لي المرور بلا تعثر تخبطاً من النظرات أو تلعثماً من التعاليق،

ببقى صريح معاكا
بقول ليك بأمانة
عمليتك ما ظريفة
وحركتك جبانة
بإيقاع الحقيبة كانت آخر ما سمعته من ركشة أغلقت الباب دون باقيها، تاركة خلفي هموم يوم مضني، ورهق بحث عن الذات بين طيات الحياة.
دوما ما أكرر، أن لحظات إرتحالي بالمواصلات العامة هي أجمل لحظات الإسترخاء
حيث أترك مهمة وصولي لشخص لا يدرك أين أود الرحيل ومع ذلك يوصلني ولا يضل الطريق، ويكن حاتمي الكرم ليريح عقلي من متابعة الطريق ويملك ذمام الأمور عني.

(*) ملعب الغولف حاليا

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى