فنجان جبنة

فنجان جبنة

لم أكن حينها وحدي… كنت أنا وذكرياتي.. وأحلامي… و بعض أمنيات صغيرات
مكان ما تعودت أنا شرب القهوة هناك … وقتما سمح لي إيقاع الزمن.. جلست وقهوتى وفنجانين .. لست أدري أتظن العاملة أننى بانتظار قادم ما… أم هــو نظــام المكان بوضع فنجانــــــــين مع الإناء الفخاري… يسرني وجودهما عــــلى أي حال … وبحوزتي ما لا تخلو منه حقيبتي أبدا، قلم و دفتر صغير.. يجاوران عطري الزيتي المعتاد…أخرجتهما للتحدث معا انا وهما…أكملت فنجاني الأول الذي يتسارع إلى شفتاي في عجلة بلا هدنة… وهممت بسكب آخر ….لفتت أنتباهي تلك الخطوات المتزنة… لقدمين تنتعل حذاء لونه يتنازع بين البني والبيج في سلام…. وبنطال بذات اللون … ورفعت بصري قليلا … لأرى صاحبهما…. ولم أره… رأيت نظرته التي تعدت خط الأفق البشري الطبيعي … غضضت طرفي لأستجمعه لأخرى علني أفلح إذ أخفقت في الأولى … وجدت ظهره الذي غطته خطوط ذات اللون المتنازع.. المتشابكة على اللون الازرق المائل للبياض … وشعر أختلطت به بعض الشعيرات التي اكتست باللون الرمادى … في تناغم أنيق .. أتجهت خطاه لتلك المنضدة التي كلما هممت لجلوس بها … أجد منضدتي تمتعض غيرة… فأعود … وأراها الان تبتسم
جلس قبالتي…. ماسحاً ببصره المكان… فلتت منه أبتسامة حين نظر لتلك الفوانيس الريفية العتيقة.. وتنقل بين السقف ذو الألوان المتمازجة …. وعبرتني نظرة منه… لم تخطئ طريقها إليّ تلك اللحظة التي وقفت فيها الشمس قرن من الزمن …كفت كل الكواكب عن الدوران … أختل النظام الضوئي ذو الخطوط المستقيمة ليتجمع الضوء بين عيناه … لم أغض بصري … ولكن غمضت عيناي وحدهما بلا إدراكي … وعندما فتحتهما أنبلج الفجر … حياني بإيماءة … بادلته إياها … تناول كتاب كان برفقته .. إلتهم بعض من أسطره بنهم … وحسر بصره لتقع نظرةٍ أخرى علىّ حين غفلة مني .. وأنا التي ما تعودت عيناي التركيز حيث تنظر … وأبتسمت تفاعل نظرتينا .. سكب فنجانه ال … لست أدرى لكنه ليس الأول .. بدون سكر … ونكس كتابه على صفحاته الداخلية …ساءني ذلك … فأنا أعتاد على حفظ رقم الصفحة دون تنكيس أو طي… ولكن ما منحني من أبتسامة أزالت غضبي الهزيل …
بينما أنا انقل بصري بين دفتري وقلمي وثالثهما هو … باغتتنى صوت أرتطام ما .. كان ارتطام قلمي بالأرض متدحرجا نحو قدميه … وكأنما ملّ القلم صمتنا المطبق على (أعيين) تتحدث …. تبعثرت أنا … بين قلمي العنيد … وبين شموخي كأنثى أمام الكبرياء الرجالي …. لملم تبعثري حين وضع ما يزيد عن حسابه تحت الفنجان … وأنحني ماداً كفه تلتقط قلمي العنيد …. ونهض ومر بجانبي …. وبعض أبتسامة وصمت صاخب… ما مددت يداً لتناوله … أكتفيت بنظرة شكر توارت خلف ابتسامتي….. وضعه بين صفحتي دفتري بعناية … وذهب….
ولم يظل وقع خطواته يتردد وصمته يدوي ، وعطره يفيض من قلمي ، وترك لي كرسي يضج بغيابه، ترك لي فنجانيين يتيمين إلاّ من بقايا لم تنال حظها برشفة .. وإناء قهوة ثكلى وداعه … أنتبهت حينها لهاتفي الذي يرن معلنا إنصرافي … لغرض آخر يقتضيه تواتر إيقاع الدنيا … لملمت صفحات دفتري التي عجزت عن الكتابة به ذات قهوة ، وقلمي الموشي بلمساته ، وما تبقى من أحلامي وأمنياتي ، وحملت حقيبتي نحو الخروج … علني ألقاه مرة أخري (ذات قهــــــــــــوة)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى