هوية خضراء

هوية خضراء

(عمود تحليلي يعني بقضايا هوية أنسان الجزيرة وما يتمظهر منها من أنماط سلوكية ومزايا وعيوب شخصية, فلا إظهار المزايا هو من قبيل الإطراء, ولا تسليط الضوء علي العيوب هو من قبيل الذم)

مدخل
کان قدامي الشعراء الجاهليين ينحازون لقبيلتهم سواء أن أصابت أم کانت مخطئة؛ و لذا تسمع شاعرهم ينشد:
و هل أنا إلّا من غزية
إن غوت غويت
وإن ترشد غزية أرشد؟؟
فکان ذلك بعض حمية الجاهلية الأولي المذمومة
نص
و لعل مما يحاکي حمية الجاهلية الأولي حمية الجزيرة التي کانت تنتابني أعراضها وأنا لازلت يافعاً أقرأ للشاعر محمد المکي إبراهيم قصيدته الموسومة ”قطار الغرب“ ؛ فاطرب لمفرداته الجزلة و هو يبتدر قصيدته قائلا:
عفواً يا أجدادي الشعراء
يا من نظمتم عقد الکلمات بشکة سهم
فانا أعلم أن الشعر يواتيکم
عفو الخاطر ….الخ
وأتيهُ مع قطاره في رحلته من الغرب بدءاً بمدينة کوستي وهو يصف إنسان النيل الأبيض الذي لا يبرح يحرث الارض بفاسه:
“جاءوا لآن أبا ضاجع أما
أورثها فاساً
يخدش قلب الأرض“؛
فيزداد إعجابي؛
إلي أن تصل رحلة قطاره إلي محطة الجزيرة الخضراء و يبدأ في وصفها -کما هي طبيعة القصيدة- حتي أصاب بحمية الجزيرة وأکفر بما جادت به قريحته و يصير عندي مذموما:
” ها نحن دخلنا ما بين النهرين
الناس هنا جنس آخر
فقراء وثرثارون ولهجتهم فى لين القطن
والباعة مِلحاحُون وحلاّفون
ولهم آذان تسمع رنة قرش فى المريخ .
هذا نوع فى كل نواحى القطر تراه
جنس رحَّال منذ بدايات التاريخ
أرض الذهب البيضاء بهم ضاقت
رغم الخزَّان المارد والذهب المندوف بهم ضاقت
فانبثُّوا فى كل متاهات السودان
الشىء المفرح أن لهم آذان
وعيوناً تعرف لون اللصِّ الرابض للقطعان
وسواعد حين يجدُّ الجدُّ تطيح“
ما کان ينغص علي إستمتاعي بالقصيدة هو مجموعة الأوصاف ” ثرثارون و حلافون و لهجتهم في لين القطن“ ؛ هذا بعد أن أبعدنا وصفه الأول ” الفقر“؛ حيث أن الفقر ليس عيباً وان الله قد قسم المعيشة بين الناس فهناك الغني والفقير وما بينهما؛ ولکن الثرثرة واللهجة وکثرة الحلف بالله – وإن کان الشخص صادقاً- هي مما يذم به الناس.فهل نحن حقا ثرثارون؟ و هل االثرثرة هي صفة مرتبطة بالجغرافيا أم صفة بيولوجية مرتبطة بالوراثة؛ أم صفة مکتسبة إجتماعيا؟؟؟
الثرثرة ليست صفة متوارثة بفهم أن الأبناء في البيت الواحد يتفاوتون في معدل ثرثرتهم؛ ،و جغرافيا؛ ففي کل مجتمع يوجد طيف واسع يتراوح من الثرثارين حتي الصامتين …
عموماً لا يمکن ربط الثرثرة بعامل معين رغم أن الدراسات تربط قلة الکلام مع الجندر|النوع؛ فالرجل عموما لديه حصة من الکلمات حوالي الثمانية الف کلمة يوميا بينما للمراة ضعف هذا العدد؛ وبالتالي فهي تثرثر بمقدار ضعف الرجل.

عموما فلعل الثرثرة المقصودة هي تلك التي للباعة بدليل
الوصف المرادف للثرثرة و هو الحلف؛ و بقرينة أنهم يسمعون رنة قرش في المريخ؛؛ عموما؛ فذهب الصمت خير من فضة الکلام
مخرج
تقول الطرفة ان الزوج کان مقلا في الجديث بطريقة ازعجت الزوجة فحاولت اخراجه من صمته قائلة: ”انت يا ابوفلان ما تحکي لي قصة سبدنا يوسف“… فرد الزوج: ”ولد ضاع ولقوه…خلاص عملتيها قصة؟

زر الذهاب إلى الأعلى