المقالات

عوج الدرب

(عمود تحليلي يعني بقضايا هوية أنسان الجزيرة وما يتمظهر منها من أنماط سلوكية ومزايا وعيوب شخصية, فلا إظهار المزايا هو من قبيل الإطراء, ولا تسليط الضوء علي العيوب هو من قبيل الذم)

مدخل

فيما روي من حکايا الأباء ما يعتبر من الأدب الشفاهي في الجود والکرم أن أحد أجدادنا غير القدماء کان – من شدة کرمه- دائم الحلف ( وأغلبها طلاقاً وتحريما) علي ضيوفه وزواره؛ فلا يعبر أحد المارة إمام داره الا وقد ناله (بعض رشاش) من کرمه. وفي أحد الليالي وبينما هم يتناولون عشاءهم يسمح (کرکبة) بالباب فيصيح قائلا: منو؟؟ أتفضل…. فلا يسمع جوابا؛ فيصيح مرة أخري: حرم تدخل تتعشي؛ وحينما لا يدخل أحد ؛يخرج هو نحو الباب فلا يجد سوي حمارا يحاول الدخول؛ فلا يملك إلا أن يدخل إلي مخزن المحاصيل ويجلب وعاء کبيراً من الذرة حتي يبر قسمه الذي أقسمه علي الحمار!!!
قد تکون تلك الرواية موجودة في منطقة أخري من مناطق جزيرة الخير الخضراء بإبطال أخرين کعادة الأدب الشفاهي غير معلوم النسب؛ و لکنها تعکس حالة الکرم المتأصل في هويتنا الخضراء؛ کرم بلا حدود جعل الشاعر ينظم قريضه والملحن ييدوززن والمغني يتغني:
(کريما جوده جود اروش
خريف الدالي و المزموم)
هذا الکرم الذي جعل من الجزيرة (ديوان) کبير وصالون ضيافة لکل ضيوف جهات السودان الأربعة من غير من ولا اذي.
و من مظاهر کرم هويتنا الخضراء ظاهرة ”عوج الدرب” في رمضان والتي تقام فيها موائد رمضان علي طول طرق المرور السريع يصطادون فيها الصائمين و يقوموا ب (عوج\حرف) مسار الرکاب باعتراض طريقهم؛ و مما يروي توثيقاً لتطور ظااهرة عوج الدرب أن أحدهم کان يتوسط طريق السيارات معترضاً إياها وملوحاً للسائق للتوقف إلّا ان سيارة کان بها عطب ميکاني في جهاز المکابح\الفرامل مما حدا بالسائق ان يقوم بصدم الداعي؛ و منذئذ صار التلويح بالعمامة لايقاف السيارات المارة خارج الطريق علي مسافة (مرورية) کافية!!!
مخرج:
من الجيد ان يکون الکرم احد صفات هويتنا الخضراء و (نعوج) طريق الاخرين و مسار سياراتهم – و الحمد لله ان تلك الصفة لا زالت تمارس و لم تندثر- و لکن الاجمل ان( نعوج) انتباه الاخرين بسلوکنا و ذوقنا و تهذيبنا الجم؛ ونتمثل قول الشاعر:
اقبل علي النفس و استکمل فضائلها
فانت بالروح لا بالجسم انسان

زر الذهاب إلى الأعلى